طباعة هذه الصفحة

تطرح القضية الأم في البُعدين التاريخي والانساني

”فلسطين المغدورة” بمسرح بشطارزي.. هذا الخميس 

فاطمة الوحش

يحتضن المسرح الوطني الجزائري “محيي الدين بشطارزي”، الخميس المقبل، العرض الشرفي لمسرحية “فلسطين المغدورة”، من إنتاج المسرح الجهوي “كاتب ياسين” لتيزي وزو، وإخراج الفنان أحمد رزاق، بمعالجة درامية لأمين بحري، واستلهام من نصوص الكاتب والمناضل كاتب ياسين، أحد أبرز وجوه المسرح الجزائري وأكثرهم ارتباطا بالقضايا التحرّرية.

يأتي هذا العمل ليعيد طرح القضية الفلسطينية في بعدها الإنساني والتاريخي من خلال لغة الفن، حيث تُصوّر المسرحية الصراع المستمر بين الفلسطيني، ممثّلا في شخصية محمد الزيتون، رمز الأرض والانتماء، وبين قوى استعمارية ودينية متطرفة تسعى لاقتلاعه من جذوره. يتجسّد هذا الصراع على الخشبة من خلال معارك رمزية بين صاحب الأرض، والمندوبين المتآمرين من ممثلي القوى الغربية، وأتباع الحاخام من المتشددين الدينيين، في سرد درامي يمزج بين المباشر والتجريدي، ليعبّر عن مأساة تاريخية لا تزال مستمرة في حاضرنا.
ويتنقّل العرض بين مشاهد واقعية وطقوس مسرحية مشحونة بالإيحاءات، حيث تتقاطع لحظات من الكوميديا السوداء مع مقاطع غنائية وكوريغرافية توظف الطقس والرمز لإثارة التساؤل والدهشة، في محاولة لتفكيك مشهد الاحتلال من جهة، وكشف الصمت العالمي والتواطؤ الخفي من جهة أخرى. يُبرز العمل آليات القمع والحصار، وبيع الأرض تحت التهديد، والتجويع كأداة للتركيع، في تماهٍ بين التاريخ والمأساة المعاصرة، بين اللّغة الشعرية والصرخة السياسية.
ويشارك في تجسيد هذا العمل عدد من الأسماء المسرحية البارزة، من بينهم زواوي محمد، حسينة منصوري، رباط عميروش، جمال عوان، مشوش كنزة، وحجال أسيرم، في أداء جماعي يسعى إلى إيصال رسالة واحدة بصوت واحد: أن فلسطين ليست مغدورة فقط، بل مهجورة من الضمير الإنساني، وأن المسرح يمكن أن يكون سلاحا للمقاومة والتذكير، حين تتواطأ السياسة وتصمت القوّة.
ومن المنتظر أن تجوب المسرحية، بعد عرضها الشرفي بالعاصمة، عددا من ولايات الوطن ضمن جولة وطنية واسعة، وستُشارك أيضا في مهرجانات وتظاهرات مسرحية، تأكيدا على الطابع الفني والالتزام السياسي لهذا العمل، الذي يندرج ضمن تقاليد المسرح الجزائري الرافض للصمت والمهادنة، والملتزم بقضايا الشعوب المستعمَرة.
ولا يأتي استحضار روح كاتب ياسين في هذا العمل على سبيل الوفاء الرمزي فقط، بل كامتداد لخطه المسرحي الذي رأى في الفن أداة للتعبير عن الرفض، والمساءلة، والتمرّد. فكاتب ياسين، الذي لطالما ربط بين الاستعمار الفرنسي والاحتلال الصهيوني، يجد اليوم في هذا العمل صوتا يستمر، وصرخة تتجدّد على خشبة لم تتخلّ عن دورها التاريخي في احتضان قضايا الحق.